فن المخطوطات والتصميمات وتحقيق المطلق والمجرد

ارتبط الفن الإسلامي ارتباطاً وثيقاً بمحتوى فلسفي مستمد من العقيدة الدينية التي تدعو للتجريد, وتشكلت إبداعاته وفقاً لجوهر هذه العقيدة , وقد جاءت إبداعات الفن الإسلامي في مجال فن التصوير في اتجاهين,






الاتجاه الأول متمثلاً في تصوير المخطوطات التي تعتمد على الأشكال التمثيلية, وتعبر عن البطولات والقصص الديني والأساطير...الخ.

والاتجاه الثاني متمثلاً في التصميمات ذات البعدين التي تعتمد على الزخارف التجريدية الهندسية. ويختلف تناول الفنان الإسلامي للفراغ من المخطوطات إلى التصميمات التجريدية الهندسية.

أولاً : الفراغ في المخطوطات الإسلامية :

لقد تأثر التصوير الإسلامي في بداياته بأساليب البلاد التي تم فتحها ومن ثم التعامل معها تجارياً وسياسياً واجتماعياً.. ولكنه بعد ذلك أصبحت للفنون الإسلامية سماتها وخصائصها المميزة لها. واتضح التصوير الإسلامي في عدة بلدان وهي (سوريا والعراق وإيران والمغرب ومصر واسبانيا) والفنون الإسلامية عامةً لا تقوم على المحاكاة, فلم يهتم الفنان الإسلامي بمحاكاة الأشـيــاء ونقل المرئي, ولكنه اهتم بتحقيق المطلق والمجرد وإظهار غير المرئي. والفنـان الإســلامي لـم يـجهل أبـعاد الفراغ, كما أنه لم يجهل قواعد المنظور وتحقيق البعد الثالث, ولكنه كان يوظفها تبعاً لفلسفته التي تتبع العقل والمنطق وعدم محاكاة الأشياء. ولذلك فقد تحرر الفنان الإسلامي من تمثيل الواقع برؤية ثابتة ولكنه اتجه إلى التمثيل الذهني والاعتماد على الحقيقة الفكرية للأشياء دون الالتزام بالمكان أو الزمان أو بالواقع البصري لها. وتبعاً لذلك فقد اعتمد على استخدام الفراغ ذي البعدين محققاً التسطيح في معظم تصميماته, ولكنه جمع أحياناً بين التسطيح والعمق الفراغي في آن واحد.

كما أنه قد استخدم التراكب في بعض الأحيان للتعبير عن العمق الفراغي واستخدم أيضاً الحجوم بالنسبة للأشياء بشكل غير منظوري, فكان الشخص الأهم هو الأكبر حجماً, كذلك يلاحظ تتالي الأشكال في مجموعات في فراغ اللوحة دون الالتزام بأحجامها من الناحية المنظورية. وقد كان توظيف العمق الفراغي في مخطوطات الفن الإسلامي له أساليبه الخاصة وفق أسلوب واتجاه كل مدرسة فنية.

فالمدرسة الإيرانية كان من مميزاتها في فن التصوير الإسلامي تحقيق العمق الفراغي, وذلك بإبعاد خط الأفق إلى الخلف مما يزيد من المساحة الأمامية. كما كان من مميزات المدرسة التيمورية في فن التصوير تحقيق العمق الفراغي بالإضافة إلى رسم التفاصيل الدقيقة المميزة. أما المدرسة المغولية فكان من أهم مميزاتها تقسيم الصورة إلى مقدمة ومؤخرة حيث يلاحظ أن الفنان في المدرسة المغولية كان يؤكد العمق الفراغي من خلال رسمه التلال في مؤخرة الصورة ثم رسم الأشخاص خلف هذه التلال, بالإضافة إلى استخدام الألوان الزرقاء الهادئة التي تؤكد العمق. وقد استخدم الفنان الإسلامي المنظور الأيزومتري في رسمه للعناصر المعمارية في التصوير الإسلامي, حيث يعد المنظور الأيزومتري نوعاً من المنظور يحافظ على توازي الخطوط المتوازية, وكذلك يحافظ على الأبعاد الحقيقية وقد استخدم هذا المنظور في كثير من الرسوم والموضوعات في الفن الإسلامي.

ثانياً: الفراغ في التصميمات التجريدية الهندسية:

لقد أثرت العقيدة الإسلامية على فن التصوير الإسلامي عامة وعلى أسلوب تناول الفراغ في التصميمات الزخرفية الهندسية خاصةً حيث جاءت تصميماته معتمدة على الاستطراد فهي ممتدة لا نهاية لها. فحافظ الفنان الإسلامي على التسطيح في تصميماته الهندسية محققاً الاتزان من خلال التقابل والتماثل ومعالجة الفراغ في إحكام دقيق, معتمداً على الاستمرارية ودقة التراكيب للزخارف التي تتميز بصفاتها التجريدية, ونظمها الهندسية الرياضية, واستطرادها إلى ما لا نهاية في فراغ المسطح ذي البعدين لتحقيق الأسس البنائية والجمالية للتصميم.

ولقد استفاد الفنان الإسلامي من القوانين الرياضية التي يستشعرها في النظم الكونية, ولذلك فقد عرف الفنان الإسلامي أصول الرأسية والأفقية التي تنتمي بدورها لظاهرة كونية, فالرأسية متمثلة في كل ما يتعامد على الأرض, أما امتداد الأرض فيشكل الخاصية الثانية والتي نسميها الأفقية لاتجاه مسطح الأرض إلى أبعاد لا نهائية نحو الأفق. ولقد استفاد الفنان الإسلامي من هذه الأصول في تصميماته التي تحمل خصائص اللانهائية عن طريق التكرار الذي يتم على محاور رأسية وأفقية بتبادل وفق نظم هندسية رياضية, ومعالجة الفراغ في إحكام دقيق وحس مرهف, وشعور بقدسية ما يعمل ولذلك كان الإيقاع الذي يتحقق محسوباً تبعاً لهذه النظم والأسس الرياضية وتناول الفراغ في التصميمات الإسلامية ظهر أحياناً في علاقة تبادلية مع الشكل, حيث يتبادلا الأهمية والظهور, وأحياناً يؤكد الفنان على توحد العلاقة بين الشكل والفراغ عن طريق تكرار مفردة واحدة في استمرارية لا نهائية. كما أن التصميمات الإسلامية القائمة على الأطباق النجمية تنشأ وتعتمد على عنصر أساسي واحد, ومن خلال تكراره يتضاعف بالتناظر في اتجاهي المحورين على أسس هندسية رياضية اعتمد عليها الفنان الإسلامي عند التحكم في الفراغ ذي البعدين, وهذه الزخارف ذات الأشكال النجمية تنتمي في بنائها إلى الأشكال البـلوريـة في تـراكيبـه اللانهائـيــة, وكانت تتبع نظاماً خاصـــاً في طريـقـة تناولها, وكانت حركتها تتبع نظام خاص, فقد تكرر بطريقة تصاعدية أكبر فأكبر من حيث المسطح الذي يشغله, أو بطريقة تكاملية (تشابكية).



منقوووووول